
بقلم/سيدي المختار ولد بون
في قلب الريف الموريتاني، وتحديدًا بقرية واد العماد التابعة لبلدية بولحراث، نجح شباب القرية في صناعة حدث رياضي استثنائي تمثل في تنظيم بطولة كروية محلية جمعت الفرق والأنصار، ووحّدت القلوب حول المستطيل الأخضر. لم تكن البطولة مجرد مباريات كرة قدم، بل رسالة مفادها أن الإرادة الشبابية قادرة على تجاوز العقبات الطبيعية والإدارية ورسم مساحات من الفرح والانتماء.
تحديات الخريف والطريق الوعرة
جاءت البطولة في عزّ الخريف، حيث تتحول الطرق المؤدية إلى القرية إلى مسالك طينية وعرة بفعل الأمطار، وتجعل الوصول إلى واد العماد مغامرة شاقة. ومع ذلك، تدفق اللاعبون والمشجعون من القرى المجاورة متحدّين صعوبة التنقل، فكانت البطولة بمثابة نافذة للفرح وسط موسم المطر.
إلى جانب الظروف الطبيعية، واجه المنظمون تحديًا إداريًا إضافيًا، فالقرية تقع بين بلديتين مختلفتين: بولحراث التي تتبع لها إداريًا، والغايرة التابعة لمقاطعة كرو. لكن بدل أن يكون هذا الانقسام عائقًا، تحوّل إلى جسر للتلاقي، إذ شاركت فرق من الجهتين بروح رياضية، لتثبت البطولة أنها جسر تواصل أكثر منها منافسة كروية.
مواجهة خاصة: واد العماد × باركيول
من أبرز محطات البطولة كانت مباراة فريق واد العماد أمام فريق باركيول القادم من مقاطعة باركيول. المواجهة استقطبت أنظار الجماهير لما حملته من ندية وحماس، حيث التقى فريق القرية المضيفة بضيف قوي مثّل المقاطعة بروح رياضية عالية. المباراة شكلت ذروة الحماس في البطولة، ورسّخت الطابع التنافسي الشريف الذي طبع أجواء المنافسات.
الشباب… القلب النابض للمبادرة
كل تفاصيل البطولة كانت ثمرة جهود الشباب المتطوعين. من تجهيز الملعب، إلى تقسيم اللجان، وجمع التبرعات، وضبط البرنامج. هؤلاء الشباب برهنوا أن بإمكانهم تجاوز غياب الإمكانات الرسمية، وصناعة حدث جمع بين الرياضة والفرح والتآخي.
البطولة لم تكن منافسة رياضية فحسب، بل فضاءً اجتماعيًا أعاد ربط القرى ببعضها، وفتح الباب أمام تبادل الزيارات وتعزيز روح الأخوة بين سكان البلديتين. كما شكلت مناسبة لعرض المواهب الكروية المحلية، التي تنتظر فقط من يأخذ بيدها نحو فضاءات أوسع
إن ما قام به شباب واد العماد من تنظيم بطولة ناجحة رغم الأمطار والطين وغياب الوسائل، يضع أمام السلطات مسؤولية حقيقية. هؤلاء الشباب يحتاجون إلى دعم مباشر: إنشاء ملعب رياضي مجهز، توفير وسائل نقل في موسم الخريف، ومدّ يد العون لمبادراتهم. فهم لا يطالبون بالمستحيل، بل بفرص عادلة لتفجير طاقاتهم في خدمة قريتهم ووطنهم. إن دعم واد العماد هو استثمار في شباب صادق ومبادر، يمكن أن يتحول إلى نموذج يحتذى به في القرى الموريتانية الأخرى.
بطولة واد العماد لم تكن مجرد حدث رياضي عابر، بل ملحمة صغيرة كتبتها عزيمة شباب القرية، حيث هزموا الأمطار والطين، تجاوزوا التعقيدات الإدارية، وجعلوا من القرية محطة للتلاقي بين واد العماد وباركيول، وبين بولحراث والغايرة. إنها قصة عن إرادة جماعية تصنع المعجزات في صمت الريف الموريتاني، ورسالة واضحة للسلطات: ادعموا هؤلاء الشباب… فهم يستحقون