أوضح فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أن قدرة الدول العربية على الصمود في وجه الأزمات والتكيف الناجع والفعال مع ما يلوح في الأفق من تغيرات جيواستراتيجية عميقة رهين بنجاحها في ترقية العمل العربي الجماعي، وهو ما يفرض عليها اليوم أكثر من أي وقت مضى مضاعفة الجهود لتكثيف التنسيق والتعاون والتكامل، والعمل الجاد على تحقيق الأمن والسلام في كامل الفضاء العربي وتقوية عرى الأخوة والصداقة والتعاضد بين كافة الدول العربية.
وأضاف سيادته في خطاب ألقاه اليوم الأربعاء أمام الدورة الـ31 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي تحتضنها الجزائر العاصمة أن موريتانيا وإيمانا منها بضرورة قيام فضاء اقتصادي عربي مشترك وانسجاما مع ما انجزته في إطار تنفيذ سياساتها التنموية الكبرى من تحسين لمناخ الأعمال ودعم للشراكة بين القطاعين العام والخاص فإنها تؤكد انفتاحها على سائر أشكال التعاون والتبادل البيني ورغبتها الصادقة في الإسهام في كل ما من شأنه تسريع الاندماج الاقتصادي العربي.
وهذا نص الخطاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه الكريم،
صاحب الفخامة، السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي،
معالي الأمين لجامعة الدول العربية،
أيها السادة والسيدات،
يطيب لي بداية أن أهنئ فخامة الرئيس عبد المجيد تبون على استضافة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيقة للدورة الحادية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، وعلى ما لمسته من جيد التحضير ومحكم التنظيم شاكرا له ما لقيناه ووفدنا المرافق من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة الجزائرية الأصيلة.
ويسعدني في ذات الوقت أن أتقدم إلى فخامته وإلى الحكومة والشعب الجزائريين بأصدق التهاني بمناسبة الذكرى ال 68 لاندلاع ثورة التحرير الوطنية الجزائرية التي تصادف انعقاد هذه القمة ولما ترمز له هذه الثورة المجيدة من معان وتضحيات عظيمة. وأود كذلك أن أتوجه بالشكر الجزيل لصاحب الفخامة السيد قيس اسعيد، رئيس الجمهورية التونسية الشقيقة، على جهوده القيمة في سبيل النهوض بالعمل العربي المشترك طيلة رئاسة الجمهورية التونسية لقمتنا العربية. والشكر موصول كذلك للأمانة العامة لجامعة الدول العربية ورأسها معالي الأمين العام السيد أحمد أبو الغيط، على ما تبذله من جهد مشكور لترقية العمل العربي الجماعي وتطوير آلياته وتفعيل مؤسساته.
أصحاب الجلالة، والفخامة، والسمو،
أصحاب المعالي،
أيها السادة، والسيدات،
تنعقد قمتنا اليوم في ظرف دولي استثنائي تتزاحم فيه أزمات أمنية وجيوسياسية واقتصادية وبينية جسيمة، فالعالم اليوم يواجه على نحو متزامن الخطر البيئي المتنامي باطراد والانتشار المتعاظم للتطرف والعنف والإرهاب والانعكاسات الكارثية لجائحة كوفيد – 19، وكذلك ما نشأ عن الحرب في أوكرانيا من تدهور خطير في الوضع الأمني الدولي ومن أزمة غذائية وتضخم متصاعد.
وعلاوة على ما تنذر بيه هذه الأزمات من ركود اقتصادي شامل، فإنها تهدد كيانات العديد من الدول وتوسع بؤر التوتر والنزاعات المسلحة وتضعف قدرة المنظومات الاقتصادية والاجتماعية على الصمود وهو ما يغذي بدوره في حلقة مفرغة هدامة عوامل زعزعة الأمن والاستقرار.
ومعلوم بداهة أن قدرة دولنا العربية على الصمود في وجه هذه الأزمات وكذلك على التكيف الناجع والفعال مع ما يلوح في الأفق من تغيرات جيواستراتيجية عميقة رهين بنجاحنا في ترقية العمل العربي الجماعي، ولذا يتعين علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى مضاعفة الجهود لتكثيف التنسيق والتعاون والتكامل فيما بيننا. هو ما يتطلب منا ابتداء العمل الجاد على تحقيق الأمن والسلام في كامل فضائنا العربي وعلى تقوية عرى الأخوة والصداقة والتعاضد بيننا عملا بشعار قمتنا هذه، ومن جهة أخرى يعد تنظيم الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الأسبوع المقبل في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية الشقيقة، وترشح دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين العام القادم، مؤشرا إيجابيا على أن مواجهة التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية أصبحت في صلب اهتمامات منطقتنا العربية. ونتطلع إلى أن تلعب دولنا أدوارا إيجابية في إنجاح هاذين الحدثين الهامين والاستفادة منهما بشكل كبير.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أكد دعمنا للجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية الشقيقة لاستضافة إكسبو 2030 في مدينة الرياض ونحن على ثقة أن هذه الاستضافة ستساهم في التعريف بالمقدرات العربية المتنوعة وتفتح آفاقا أوسع لشراكات جديدة ومثمرة بين منطقتنا العربية ودول العالم في شتى المجالات. كما أن استضافة دولة قطر الشقيقة لنسخة 2022 من كأس العالم يشكل من جهة أخرى نموذجا لتعزيز الحضور العربي الفاعل في المحافل والأحداث العالمية الكبرى، ويحدونا الأمل في أن تتكل الجهود الجبارة التي بذلتها دولة قطر الشقيقة في هذا المجال بالنجاح التام.
أصحاب الجلالة، والفخامة، والسمو،
أصحاب المعالي،
أيها السادة، والسيدات،
تمر قضيتنا المركزية قضية فلسطين المحتلة بظرف جد صعب بفعل إصرار الاحتلال على التوسع في الاستيطان وتغيير وضع القدس وتجاهل مبادرة السلام العربية وكل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
وإننا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية لنجدد تمسكنا الثابت بضرورة إيجاد حل دائم سريع وعادل يضمن حق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية طبقا لمبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربية، ونحن نستبشر خيرا بما تم توقيعه مؤخرا من اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية برعاية الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيقة، كما ندعو إلى إيجاد حلول سياسية سليمة للنزاعات المسلحة في اليمن وسوريا وليبيا على نحو يضمن لهذه البلدان وحدة وسلامة أراضيها وحق شعوبها في التمتع بالاستقرار والأمن والنماء، فبدون الأمن والاستقرار في كامل الفضاء العربي لن نصل بالعمل العربي المشترك إلى المستوى الذي تتطلع إليه شعوبنا وتمليه الإكراهات المثالة والتحديات المستقبلية.
وتأسيسا على هذا فإن من المتعين علينا تكثيف التنسيق في إطار مكافحة الإرهاب والتطرف ومواجهة سائر النزاعات وبعث الفرقة والتعصب الطائفي وكل ما من شأنه أن يطال السكينة والاستقرار على عموم ربيع وطننا العربي.
أصحاب الجلالة، والفخامة، والسمو،
أصحاب المعالي،
أيها السادة، والسيدات،
إن بلداننا العربية لا غنى لها عن تفعيل عملها الاقتصادي المشترك وتأمين الانسجام بين هياكلها الاقتصادية لتتمكن من الاستغلال الأمثل ضمن منطقة حرة مشتركة لما تزخر به من موارد طبيعية متنوعة ومصادر بشرية حيوية، وإيمانا منا بضرورة قيام هذا الفضاء الاقتصادي المشترك وانسجاما مع ما انجزناه في إطار تنفيذ سياساتنا التنموية الكبرى من تحسين لمناخ الأعمال ودعم للشراكة بين القطاعين العام والخاص – وهنا أعني نحن في موريتانيا – فإنني أكد لكم انفتاحنا على سائر اشكال التعاون والتبادل البيني ورغبتنا الصادقة في الاسهام في كل ما من شأنه تسريع الاندماج الاقتصادي العربي، ومن هذا المنطلق تنبع الأهمية القصوى لتفعيل السوق العربية المشتركة وتعزيز التكامل والتبادل بين بلداننا وأملنا أن تشكل الدورة الخامسة للقمة العربية الاقتصادية والاجتماعية التي ستحتضنها بلادنا العام المقبل فرصة لتعميق البحث في أولويات التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين دولنا والخروج بإجراءات عملية في هذا الصدد.
وفي الختام أرجو لأعمال قمتنا هذه كل النجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.