لا يمكن للجيش النظامي بالسيارات العادية العابرة للرمال مواجهة أو مطاردة المجموعات الإرهابية المسلحة التي تمخر عباب الصحراء ناشرة الموت والرعب، ولا صد مهربي الأسلحة والمخدرات والسجائر الذين يتجولون عبر السباسب الوعرة الموحشة.
لحل هذه المشكلة أحيت قيادة أركان الحرس الموريتانية فرق الهجانة وهي فرقة تضم مئات الحرس المدربين الذين يمتطون الجمال، ويتجولون على مدار الساعة في المناطق الحدودية بأسلحتهم ونظاراتهم الدقيقة وآلات اتصالهم فيعترضون مجموعات الجهاديين المسلحين والمهربين، ويؤمنون الحدود.
ولشدة ما وجهته موريتانيا في السنوات الأولى من الألفية الحالية، قررت إعادة استخدام الجمالة الخبراء بمداخل ومغاور المناطق الصحراوية الحدودية، حيث يقومون بمراقبة الحدود، والمساعدة في تأمين وتطوير المناطق النائية من التراب الموريتاني وخاصة على مستوى الحدود بين موريتانيا ومالي، حيث الأمن مفقود والغلبة للأقوى وللأشد شراسة. وكان جمالة الحرس الموريتاني يتولون مراقبة مطار النعمة بأقصى الشرق الموريتاني، لكن الحكومة احتاجت لخدماتهم وخبرتهم فأسندت إليهم مراقبة التراب الوطني.
يقول العقيد عبد الرحمن محمد صالح قائد فرق الجمال «بعد أن كنا لا نتجاوز تأمين مطار مدينة النعمة، سنوسع تحركنا ليشمل المناطق الحدودية».
ولأهمية الجمالة الموريتانيين في تأمين الحدود وتأمين السياح الغربيين المغرمين بالصحاري الرملية الحارة، فقد منح الصندوق الأوروبي للتنمية تمويلا لهذا الفصيل قدره 13 مليون يورو مخصصة لدعم أمن الحدود ولتمكين الجمالة من توسيع دورياتهم ومن المساهمة في تنمية البلد.
وسيمكن هذا التمويل الجمالة من القيام بمهام الرقابة والاستخبارات والشرطة الإدارية، وحفر الآبار. ويقول عبد الرحمن الخليل وهو أحد قادة الجمالة «يمكن لجمالة الحدود أن يقطعوا 70 ميلا على ظهور الإبل، وهم مستقلون بتوفرهم على التموينات وماء الشرب على مدى أربعة أسابيع».
وأضاف «يحل الجمالة المدربون مشكلات كثيرة في مناطق نائية لا توجد فيها إدارة الدولة، بينها حل مشاكل الصحة بما تتوفر عليه فرق الجمالة من ممرضين ومسعفين ومن أدوية ومعدات طبية». وعن الدعم الأوروبي يقول فرانسوا اغزافيي بون رئيس مشروع الاتحاد الأوروبي الخاص بجمالة موريتانيا «نحن نتوجه حاليا بإقامة وتجهيز مركز لقيادة الجمالة في مدينة ولاته أقصى شمال شرق موريتانيا».
وقال «الأولوية الثانية لدى المشروع هي اكتتاب جمالة شباب فاعلين ونشطين، بين السكان المحليين وبخاصة بين القبائل المحلية ذات الشوكة في تاريخ المنطقة، ويقوم الاكتتاب على معرفة الأرض والمنافذ الصحراوية في المناطق الحدودية».
«أما الأمر الثالث الذي يتأسس عليه المشروع، يضيف فرانسوا اغزافيي بون، فهو مد فرق الجمالة بأعداد هامة من الجمال» مضيفا «أن استخدام الجمال في موريتانيا ليس أمرا غريبا حيث ما زال الجمل رفيق البداة الموريتانيين في حياتهم».
ويخطط مشروع الاتحاد الأوروبي الخاص بجمالة موريتانيا حاليا لشراء 250 جملا بقيمة 300 ألف يورو.
وتتعقب فرق الجمالة خلال دورياتها من تشتبه فيهم، وتمتد المهمة الواحدة لفرقة من الهجانة طوال أشهر عدة في الصحراء، يلتحمون فيها بالبدو ويجمعون المعلومات لتُرسَل إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط.
وأشاد الجنرال مسغاور ولد أغويزي، وهو قائد أركان الحرس الموريتاني السابق، بدور الجمالة في عرض قدمه حول دور الجمّالة في إستراتيجية موريتانيا لمكافحة الإرهاب، خلال ندوة احتضنها منظمة اليونيسكو في العاصمة الفرنسية باريس سنة 2019 تحت عنوان «الأمن والتنمية في منطقة الساحل».
وقال «إن للجمّالة دورا مهما ضمن الإستراتيجية الموريتانية لمكافحة الإرهاب» مشيرا إلى «قدراتهم في الاستطلاع وكشف المعلومات».
وأضاف «مقاربات محاربة الإرهاب في منطقة الساحل متعددة؛ وتجربة موريتانيا تعتمد استخدام الجمالة جنباً إلى جنب مع الوسائل الحديثة والعصرية».
هذا، وقامت فرق الجمالة الموريتانية بدور لا يستهان به في مجال الاستخبارات، والمراقبة الحدودية، وفي مجال الاستطلاع في المناطق الوعرة والنائية من البلاد، واستطاعت كشف العديد من الهجمات الإرهابية ومنع حدوثها، إضافة لجمع المعلومات عن تحركات المهربين وتجار الأسلحة العابرين للحدود.