أيام صعبة عاشها أخيراً الشاب الموريتاني حسني سيدي، بسبب رفض أهل فتاة طلبها للزواج، وما زاد من معاناته أن أساس الرفض جاء لأسباب لا دخل له فيها، في إشارة إلى شيوع ثقافة اجتماعية منتشرة تعتمد على تفضيل غالبية الأسر تزويج بناتها من أبناء عمومتهن.
يحتدم النقاش في الأوساط الاجتماعية الموريتانية هذه الأيام حول معوقات الزواج، التي يضعها الأهالي في وجه حلم الفتاة، إذ تحمل الأسر مسؤولية وضع شروط عفا عليها الزمن، فغالبيتها تجاوزته حركية المجتمع وتحولاته الفكرية.
حواء ترفض
وترى الفتاة أميمة محمد عالي (24 سنة)، أن تأخر سن الزواج الملاحظ في صفوف الفتيات الموريتانيات عائد إلى سببن، "الحمولة الثقافية وتركيبة المجتمع القائم على تمايز قبلي واضح، وتحوّل الأسر الموريتانية عن زواج بناتها من كل القبائل، لأسباب مختلفة أغلبها مبني على سرديات تاريخية متخلفة".
وقالت أميمة "كما أن العامل المادي هو الآخر يؤثر في تأخر الزواج، فقد ظهرت في الفترة الأخيرة عادات مصاحبة للزواج يسمّيها البعض بـ’الواجب‘، وهي مجموعة مستلزمات غالية وهدايا تقدمها أسرة العروس إلى أهل العريس، وتنفر الأسرة التي يتقدم لها شاب فقير من الزيجة، لأنها سترهقهم مادياً من دون عائد متوقع بسبب فقر العريس".
النقاش المحتدم دفع وزارة الشؤون الإسلامية إلى تخصيص خطبة الجمعة لإثارة موضوع غلاء المهور (اندبندنت عربية)
المهور في قفص الاتهام
أسهمت ثقافة التباهي والتفاخر المنتشرة بين غالبية الشرائح الاجتماعية بموريتانيا في تعقيد الزواج أمام الراغبين به، ما زاد في ارتفاع معدلات العنوسة بأوساط الشباب، وترى فنفونة بوب جدو، وهي رئيسة وسطاء من أجل السلام وفاعلة في المجتمع المدني الموريتاني، أن "غلاء المهور هو السبب الرئيس في حرمان الفتيات من الزواج، لأن أغلب الشباب يتأخر في التقدم للارتباط بسبب ضعف الإمكانات والشروط التعجيزية التي يضعها المجتمع، فتنتشر المقارنة في قيمة المهور التي يدفعها العريس، بالتالي يظل يبحث عن مهر كبير قد لا يتحصل عليه، بالتالي يفوت قطار الزواج على الفتاة، والكارثة أن شيوع هذه الثقافة يسري على غالبية الطبقات الاجتماعية الموريتانية، خصوصاً الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة الآيلة للتلاشي".
تجذر الفردية
يذهب رئيس منتدى السوسيولوجيين الموريتانيين، الدكتور باب سيد أحمد لعلي إلى أن "غلاء المهور ليس هو السبب الأول في عزوف الشباب عن الزواج، بل تعقيدات الحياة المادية اليوم وما تفرضه من قيم جديدة، من تجذر الفردية وكسر جدار التكافل الاجتماعي".
وقال إن "ليلة العرس ليست هي كل شيء في ذهن الشاب، بل إن ما يشغل باله هو الحياة التي سيقبل عليها في مجتمع، المرأة فيه ليست شريكاً مادياً في بناء البيت، بل فرد يُعال فقط". وأضاف أن "تبعات الصرف على الأولاد ودراستهم تعقدان الأمر أكثر، وتجعلان الحياة الزوجية هاجساً تخافه غالبية شباب المجتمع".
دعوات للحد من غلاء المهور
دفع النقاش المحتدم حول غلاء المهور وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي إلى تخصيص خطبة الجمعة الماضية لإثارة موضوع غلاء المهور، فتناول الأئمة والخطباء الحكم الشرعي من المغالاة في المهور والإسراف في حفلات الزواج.
غير أن الناشطة في المجتمع المدني فنفونة بوب جدو ترى أن إقرار قانون يضع سقفاً معقولاً وواقعياً للمهور هو الضامن الوحيد للقضاء على الظاهرة التي تتسبب في وأد أحلام آلاف الفتيات الموريتانيات الراغبات بالزواج.