«الناتو» فى إفريقيا.. أهداف معلنة وأجندة خفية

أربعاء, 27/07/2022 - 16:39

يعتبر البعض أن المغرب، حلقة مهمة فى مجال الشراكة الأمنية بين حلف الناتو ودول البحر الأبيض المتوسط، بسبب قربه من أوروبا، وكونه بوابة للقارة الإفريقية، لذلك اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية، على الحلف منذ 2004، أن يتم إدماج المغرب داخل الحلف، كأول دولة من شمال إفريقيا ومن العالم العربى تدخل نادى «الناتو» بهدف تعزيز التعاون الأمنى والعسكرى معه، قبل توسيع هذا التعاون إلى دول المغرب العربى الأخرى‪.

«الأهرام العربى» تستعرض ذلك مع عدد من الخبراء.

يتحدث الجزائرى د. هشام دراجى، باحث وكاتب عسكرى فى الشئون الإفريقية قائلا: اجتمع رؤساء دول، وحكومات حلف شمال الأطلسى فى مدريد خلال اليومين الماضيين فى ظروف حرجة، كما جاء فى البيان الختامى للقمة، معبرين عن وحدتهم وتضامنهم، مؤكدين أن: «الناتو هو حلف دفاعى، ولا يشكل أى تهديد لأى دولة» فهو  أساس الدفاع الجماعى والمنتدى الأساسى للمشاورات والقرارات الأمنية، وقد عرفت هذه القمة، مشاركة وزير الخارجية الموريتانى محمد سالم ولد المرزوك، فى الجلسة الختامية، التى تضمنت بحث التحديات الأمنية فى الساحل الإفريقى ومشكلة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية والنفوذ المتنامى لروسيا فى المنطقة‪.

ويضيف دراجى: لكن فى العلاقة بين الناتو وإفريقيا، نجد الأهداف المعلنة والأجندة الخفية، فيولى حلف شمال الأطلسى، اهتماما متزايدا بإفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما نسجله جليا من خلال تتبع الخطاب السياسى والأمنى، للحلف المرتكز على مكافحة الإرهاب فى الساحل الإفريقى وجنوب الصحراء، بالإضافة إلى الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والاتجار بالبشر.

لكن الحقيقة تدفعنا للتساؤل، حول هذا التغير المفاجئ فى الأهداف المعلنة للحلف تجاه إفريقيا، برغم قدم التهديدات التى يحاول اليوم التصدى لها، هذا التحول الذى قد نجد مبرراته فى الوجود الروسى بالمنطقة، وتنامى النفوذ الاقتصادى الصينى فى إفريقيا، حيث يعتبر الحلف الوجود القوى للتحالف الشرقى القديم، تهديدا حقيقيا لخاصرته الجنوبية، وهو ما دفعه بشكل مفاجئ إلى محاولة إعادة إحياء نفوذه المتهالك، بعد الانسحاب الفرنسى من منطقة الساحل.

ويتابع: أما بالنسبة للجناح الجنوبى للناتو فى إفريقيا، فأعتقد أن مدريد تحاول تقمص دور باريس فى إفريقيا، من خلال العمل على إعادة التموضع فى منطقة الساحل بعد انسحاب القوات الفرنسية، وما سبقه من ارتفاع غير مسبوق لحالة الرفض الجماعى لتلك القوات فى المنطقة، لذلك تعمل مدريد على تقديم نفسها كبديل جديد، يحاول بناء الجناح الجنوبى للحلف فى إفريقيا، عبر التعاون مع المغرب وموريتانيا، لذلك قد يبدو من المبكر الحديث عن بناء أى جناح جنوبى للناتو، خصوصا فى ظل الخيارات الجديدة لدول المنشأ فى الساحل، كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن إسبانيا تحاول لعب أدوار أكبر منها، فهى ليست فرنسا التى فقدت جناحها فى الساحل، برغم كل ما تملك من خبرة تاريخية وقوة عسكرية، ولا هى ألمانيا التى تملك القوة الاقتصادية الملائمة لمثل هذه الأدوار‪.

يقول دراجى: الناتو فى ظل التراجع الفرنسى والصعود الإسبانى، وبرغم ما تحاول دول حلف شمال الأطلسى، إظهاره للعالم من تضامن واتحاد، فإن مظاهر الاختلاف تبدو جلية منذ سنوات طويلة، خصوصا بعد أن فقد الحلف أسباب استمراره بنهاية الحرب الباردة، ولعل الدليل على صحة هذه الفرضية، يكمن فى المطالب الفرنسية والألمانية المتكررة بإنشاء قوة أوروبية مشتركة، هذه القوة التى تحاول فرنسا من خلالها استبعاد الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا من الفضاء الأوروبى، هذا كما يمكن كذلك الاستشهاد بأزمة الغواصات الأسترالية الأخيرة، التى بينت الخلاف الكبير بين الحلفاء، لا سيما بعد أن اعتبرها وزير الخارجية الفرنسى «طعنة فى الظهر».

لذلك عرفت السنوات الأخيرة، تراجعا ملحوظا للحماسة الفرنسية داخل الناتو، كما يرى دراجى، هذا طبعا بالإضافة إلى خسارتها لمناطق نفوذها فى إفريقيا، لصالح روسيا، وهو ما اعتبرته إسبانيا فرصة حقيقية، لمحاولة التقدم للواجهة، والأخذ بزمام الأمور داخل الحلف. 

ويستكمل الحديث عثمان الحاج عمر، القيادى بحزب البعث التونسى، قائلا: أعتقد أن حديث «الناتو»، الأخير فى قمة مدريد عن التحديات الجديدة، التى يواجهها الحلف فى جناحه الجنوبى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، هى جدية وتتمثل فى الهجرة السرية والإرهاب. لكن لماذا لن يتفطن لها الحلف قبل ذلك؟.. نجد الإجابة تتلخص فى أن إفريقيا تاريخيا، تركت إلى المستعمر القديم، فرنسا بالخصوص، حيث توجد قواعدها فى السنغال ومالى وتشاد، بالإضافة إلى زائير وساحل العاج وبوركينا فاسو، لكن الدور الفرنسى استنفد غرضه، ولم تعد فرنسا مرحبا بها فى هذه الدول، بل لقد طردت من مالى، ومن جهة أخرى لم تنجح إيطاليا فى استيعاب الوضع فى ليبيا، وقد شكلت محاولة اقتحام الحدود الإسبانية، من طرف آلاف المهاجرين المخيمين فى سبتة ومليلية المغربيتين وينتظرون اللحظة المناسبة، جرس التحذير الأخير لهذا الوضع المتفاقم، وربما كان ذلك مفتعلا لإثارة الانتباه.

ويضيف الحاج عمر: لكن الولايات المتحدة، هى التى ضغطت فى هذا الاتجاه، ربما حتى تشرك أوروبا فى سياساتها، هى فى مواجهة التحدى الحقيقى لنفوذها فى القارة الإفريقية، وهو التدخل العسكرى القوى لروسيا فى مالى وليبيا وغيرها من الدول الإفريقية، لمواجهة الحركات الإرهابية وجماعات العنف، التى راعتها الولايات المتحدة، أو أسهمت فى نقلها ودعمها لوجستيا، من شمال سوريا والعراق إلى ليبيا ونيجيريا، لإرباك الوضع فى القارة، حتى توجد لقواتها «أفريكوم»، المبررات الكافية للوجود فى بعض الدول الإفريقية، من جهة وللتدخل الصينى القوى فى مجالات البنية التحتية والتجارة والاقتصاد، وأمام نجاح هاتين القوتين المتنافستين، لم يبق أمام الولايات المتحدة إلا أن تأتى بـ «رجل المطافئ» الأوروبى، وجندى الاحتياط الأوروبى للقيام بالمواجهة بالوكالةً، وتبقى هى متحفزة لما يدور فى ساحة المواجهة الحقيقية مع روسيا فى أوكرانيا، والصين فى كوريا، دون أن تعفى نفسها بالطبع من قيادة عمليات الحلف والإشراف عليها أينما كانت هذه التدخلات.

ويتحدث الكاتب السياسى والعسكرى المغربى، لحسن العسبى قائلا: شكلت قمة مدريد للحلف الأطلسى، محطة انعطافة فى تاريخ هذه المنظمة العسكرية الدولية الوازنة (أكبر تحالف عسكرى غربى فى العالم)، كونها أعادت الروح لقوة العلاقة التنسيقية بين أعضائه، بعد فترة برود وقلق بين الجناح الأوروبى، والجناح الأمريكى ضمن الحلف، الذى برزت تداعياته أكثر خلال المرحلة السابقة للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، (كان فى القلب منها ضرورة تعديل نسبة المساهمات المالية للدول الأعضاء، بما يحقق التوازن، ويخفف الأعباء المالية الكبرى التى تتحملها واشنطن).

ويضيف: إذا كانت هذه القمة، قد أعادت توجيه دفة الأفق الجيوإستراتيجى للحلف الأطلسى، من حيث اعتبار روسيا خطرا على السلم العالمى، وعلى منظومة التجارة الدولية، وترجمت ذلك من خلال الرفع من ميزانية الحلف، ومن عدد جنوده (رفع العدد إلى 300 ألف عسكرى، وهو رقم غير مسبوق). مثلما أعادت إلى قوى أوروبية حق المبادرة العسكرية، وتطوير قدراتها المسلحة فى المقدمة منها ألمانيا، فإن من أهم قرارات هذه القمة توسيع الدائرة «الجيوأمنية»، للحلف نحو شمال القارة الأوروبية (قبول عضوية السويد وفنلندا)، وكذا نحو الجنوب الأوروبى (أطلسيا)، من خلال الإعلان عن حزمة قرارات صنفت موريتانيا لأول مرة واجهة من واجهات الشمال الإفريقى، لمواجهة مخاطر التسلح والإرهاب والاختراق الروسى (عبر مجموعات فاجنر) بدول الساحل. وأن حلف الناتو يلتزم بتقديم الدعم لنواكشوط لتطوير قدراتها الأمنية والعسكرية واللوجستية، واعتبارها شريكا رئيسيا له بالمنطقة.

ويتابع: الحقيقة، مما يجب التوقف عنده مطولا، فيما يرتبط بقرارات قمة مدريد لحلف الناتو، حول منطقة شمال إفريقيا ودول المغرب العربى، هو تحقق أمرين مهمين: أولهما، توسيع دائرة الشركاء الرئيسيين للحلف بالمنطقة، من خلال دعوة موريتانيا للمشاركة رسميا كضيف بالقمة، وإعلان «روزنامة» عن التعاون الأمنى والعسكرى معها، (بدأت ترجمته مباشرة بزيارة الأمين العام المساعد للشئون السياسية والأمنية للناتو الإسبانى خافيير كولومينا للعاصمة نواكشوط، ولقائه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى ووزيرى الدفاع والداخلية).

ثانيهما، عدم طرح أى مشروع (سبق وضغطت به أطراف سياسية إسبانية)، لتوسيع دائرة حدود حلف الناتو، لتشمل المدينتين المغربيتين المحتلتين، سبتة ومليلية من قبل إسبانيا، الواقعتين شمال المغرب على ضفته المتوسطية، بل إنه أمام عدم تجاوب القوى الوازنة بحلف الناتو (فى مقدمتها واشنطن ولندن وباريس)، مع هذا الطموح السياسى الإسبانى، يبادر وزير خارجيتها خوسيه مانويل آلباريس، فى ندوته الصحفية المشتركة مع الأمين العام لحلف الناتو النرويجى ينس ستولتنبرج، إلى إعلان عدم تفكير مدريد قط فى طرح ذلك الموضوع على القمة. وهو جواب سياسى، يعزز من مكانة الرباط عمليا فى علاقتها مع حلف الناتو، الذى سجل أن مدريد لم توجه له الدعوة لحضور القمة، برغم أنه شريك إستراتيجى وعضو ملاحظ من خارج الحلف، تؤكد العديد من المصادر الأمريكية والإسبانية (بعضها نشر أيام القمة بجريدة الكونفيداسيال الإسبانية، المقربة من المؤسسة العسكرية الإسبانية)، أنه مرشح لعضوية حلف الناتو فى القادم من السنوات، حيث ينتظر أن يكون أول بلد عربى وإفريقى يحوز تلك العضوية الكاملة.

ويقول إن خلاصات، تراكم شكل العلاقة التطويرية بين الحلف الأطلسى ومنطقة شمال إفريقيا، التى بدأت منذ سقوط جدار برلين سنة 1989، وفى بدايات التسعينيات، ثم تطوير أشكال التعاون العسكرى مع المغرب عبر تنظيم مناورات عسكرية غربية (أمريكية - كندية - بريطانية - إسبانية).

إن خلاصة ذلك كله، إنما تؤكد أن المجال الجغرافى الممتد لغرب القارة الإفريقية الشمالى، يشكل عمقا جيو إستراتيجيا بأبعاد متوسطية (أوروبية) وأطلسية (أمريكية) لحلف الناتو ودوله، وتشكل عواصم محورية حجر الزاوية فيه، واليوم أضيفت إليها نواكشوط كمدخل محورى حيوى، لمواجهة مخاطر التهديدات الإرهابية والتدويل والاختراقات الخارجية بمنطقة الساحل.

ويشير إلى أن إسقاطات ذلك، فى القادم من السنوات، هو إعادة هيكلة شاملة، على المستوى الأمنى والمخابراتى والعسكرى لكامل منطقة الشمال الإفريقى الغربى، بما يحقق أسباب الاستقرار والتنمية بالمنطقة، الذى يشكل صمام الأمان لمواجهة مخاطر الهجرة غير الشرعية ومافيات الاتجار فى البشر والمخدرات والسلاح والتطرف، التى لا تهدد فقط دول المنطقة بل كل دول الجنوب الأوروبى وكامل منظومة الحلف الأطلسى متوسطيا وأطلسيا.

 

زينب هاشم